top of page
بحث

عندما يصبح الحنان مخيفا


ree


عندما يصبح الحنان مخيفا

ليس كل الناس يخافون من القسوة، فبعضهم يخاف من الحنان. الكلمة الطيبة، النظرة الصادقة، اللمسة الآمنة، وحتى الاهتمام البسيط، قد تثير في داخلهم قلقا خفيا لا يفهمونه. لأن كل مرة شعروا فيها بالحنان من قبل، انتهى الأمر بخيبة، فصار الحنان بالنسبة إليهم إشارة خطر لا إشارة أمان

.


هناك أشخاص ينسحبون عندما يقترب منهم أحد، ليس لأنهم لا يريدون الحب، بل لأن الحب صار مرتبطا في ذاكرتهم بالألم. كل علاقة مروا بها تركت خلفها أثرا: ثقة مكسورة، أمانا ضاع، أو جزءا من النفس لم يعد كما كان. ولأن الألم في المرات السابقة جاء من أكثر الناس قربا، أصبح الاقتراب نفسه يخيفهم أكثر من البعد.


الحنان عندهم لا يطمئن، بل يثير القلق. يذكرهم باللحظة التي شعروا فيها بالأمان قبل أن ينكسروا. لذلك يهربون من الدفء وكأنه فخ. يختبئون خلف الهدوء أو البرود أو السخرية، ويحاولون إقناع أنفسهم أن التبلد أأمن من المشاعر. لكن الحقيقة أنهم لا يخافون من الحب، بل من الوجع الذي يليه.


العقل يحاول أن يقنعهم بأن الأمور هذه المرة ستكون مختلفة، لكن الذاكرة العاطفية لا تصدق بسهولة. فهي تتذكر كل مرة صدّقت فيها الجملة ذاتها قبل أن تنكسر من جديد. ولهذا تراهم يتراجعون في اللحظة التي يفترض فيها أن يطمئنوا، لأن الخوف من الخذلان أقوى من الرغبة في القرب.


من وجهة نظر علم النفس، هذا النوع من السلوك يعرف باسم "الارتباط القَلِق المتجنب"؛ حيث يعيش الشخص صراعا داخليا بين الحاجة للحب والرغبة في الحماية الذاتية. يريد أن يحب، لكنه في الوقت ذاته يخاف من أن يُؤذى. وهنا يبدأ ببناء جدار عاطفي غير مرئي يحميه من الألم، لكنه أيضا يعزله عن دفء العلاقات الحقيقية.


الهروب من الحنان لا يحمي، بل يؤجل المواجهة مع الجرح القديم. والشفاء لا يبدأ حين نغلق الباب، بل حين نسمح لأنفسنا بفتح نافذة صغيرة يدخل منها الضوء. أن نتعلم كيف نميز بين الحنان الحقيقي والتلاعب العاطفي، وكيف نمنح أنفسنا الأمان دون أن نحاسبها على الماضي، هو أول خطوة نحو التوازن.


الحنان ليس ضعفا، ولا تهديدا، بل لغة الشفاء. والمشاعر الصادقة لا تخيف إلا من جرح بعمق. وأحيانا، أكثر الناس خوفا من الحنان، هم أكثر الناس حاجة إليه، وأكثرهم استحقاقا له.

عندما يصبح الحنان مخيفا

 
 
 

تعليقات


ناتاليا ستيلارد - نؤمن بقوة الشفاء والنمو. /+31626306008

جميع الحقوق محفوظة © ٢٠٢٤. تأمين شامل مع تغطية المسؤولية المهنية لخدمات الاستشارات والتدريب.

bottom of page